المعرفة عند ابن سينا  

Posted by Jumhurul Umami


أ‌. حياة ابن سينا
ولد ابن سينا سنة 370 هـ (980مـ) بحسب رواية كل من القفطى وابن خلكان فى قرية "أفسنة" من أعمال بخارى من بلاد فارس، وفى بخارى تلقى علومه الأولى فاستظهر القرآن الكريم ، وألم يحزء من العلوم الدينية وعلم النجوم وهو فى سن العاشرة، وقد وفد على بخارى وهو فى هذا السن جماعة من دعاة الإسماعلية وكان والده ممن استجاب لدعوتهم ، ولكن ابن سينا يصرح بأنه كان يردد أقوالهم بلسانه فقط دون أن يعتقد مذهبهم ، وقد ظل منصرفا إلى محصيل العلم، فتلقى علوم الرياضة والطبيعة والمنطق وما بعد الطبيعة من أساتذتها كما درس الطب على عيسى بن يحي الذى اشتهر بالأستاذية فى زمانه ، ولم يكد يبلغ ابن سينا السادسة عشرة من عمره حتى ذاعت شهرته فى الطب ، فقصده الأطباء من كل مكان، ولم يفق على دراسته للطب عند الناحية النظرية، بل تجاوز ذلك إلى عيادة المرضى ومراقبتهم لمعرفة تطور المرض، وأجرى عليهم تجاوز الشخصية لمعرفة أثر التطبيب، وهذا ما تأخذ به الطرق الحديثة فى الطب والعلاج.

لسنا فى حاجة إلى أن نتحدث هنا من حياة الشيخ الرئيس ابن سينا شغل التحدث عنها عددا عظيما من صفحات المؤلفين القدماء والمحدثين فى الشرق والغرب، والتى كانت مثلا حيا من أمثلة التباين والتعارض: فتارة نشاهده متربقا على كرسى الوزارة عن جدارة واستحقاق يفوقان هذا المنصب أضعافا وأضعافا وأخرى نشيعه إلى السجن بنظرات الأسى والأسف حانقين على الطغاة والمستبدين الذين حرموه نعمة الحرية خضوعا لأوهامهم الخاصة، وإذعانا لرغباتهم الفردية. وثالثة تترامى إلينا الأنباء بأنه فرّ من وجه طاغية منتصر إلى كنف عدوه، أو إلى إمارة محايدة يبتغى فيها الهدوء والسلام. وبسنا فى حاجة إلى أن يسجل أنه كان أحد طلائع العقليات الإسلامية الممتازة التى شرفت ولا تزال تشرف الشرق قديمه و حديثه.

ب‌. المعرفة عند ابن سينا
قال القشيرى: المعرفة على لسان العلماء هى العلم، فكل علم معرفة، وكل معرفة علم وكل عالم بالله تعالى عارف ، وكل عارف عالم. وعند هؤلاء القوم: المعرفة صفة من عرف الحق سبحانه بأسمائه وصفاته، ثم صدق الله تعالى
لا نستطيع إباحة مذهب ابن سينا فى المعرفة إذا عرضنا-فى شيء من البسط تعريف الفلسفة وأقسامها عند هذا الفيلوسوف، وقد أشرنا فى الفصل الأول إلى هذه الأقسام إشارة خاطفة وسجلنا فى أحد هوامشته أننا نحتفظ بتفاصيلها الوافية للشيخ الرئيس، لأنه هو خير من جلاها من فلاسفة المسلمين، بل خير من نص منهم فى وضوح على أن غاية الفلسفة النظرية هى الحق، وأن العقل قادر أتم القدرة على إدراك الحقيقة المطلقة والإحاطة بوسائلها، والسير بخطى ثابتة نحو معرفة أسرار الكون وخفايا الوجود.
رأينا كيف كان ابن سيناء أول فيلسوف إسلامى عنى بمسألة النفس وقواها، عناية ألهمت كثيرا ممن جاءوا بعده أن يقتفوا أثره، ومن المعلوم أن بين النفس والمعرفة لزوما، إذ الثانية أثر للأولى، ولا يعقل أن تكون هناك نفس ذات قوى متعددة ولايكون لهذه القوة مظهر يدل عليها، أن لكل قوة من قوى النفس عند ابن سينا اثرا فى بناء المعرفة الإنسانية، فالإنسان يعرف عن طريق حواسه الظاهرية والباطنة، وكل منهاله دور فى تكون المعارف، وإن اختلافت هذه الأدوار قوة وضعفا، ودنوا وعلوا، للهم أن الجمع فى حركة، والشأن فى ذلك كشأن مجموعة فى عمل، كلهم متشاركون فى إنجازه، منهم المخطط ومنهم المنفذ ومنهم المحاسب ومنهم المراجع ومنهم الحاكم.
ولا يسع ابن سينا هنا إلا أن ينبه إلى ماسبقت الإشارة إليه عند تقسيم قوى النفس، مضافا إليه أثر كل قوة من قواها فى العملية المعرفية، فالقوى الحسية عنده لاتدرك إلا المحسوسات الجزئية، غير مجردة من لواحفها المادية من كم وكيف ووضع وأين، ويقرر أن هذه من طبيعة الحواس والمحسوسات، والعقل يدرك الأمور المعقولة، بعد تخليصها من لواحقها المادية، وهذه أيضا طبيعة العقل والمعقولات، فكما أنه ليس من شأن المحسوس من حيث هو محسوس أن يعقل، كذلك ليس من شأن المعقول من حيث هو معقول أن يحس .
إنه هنا يعبر بصراحة عن انجاه المشائين فى المعرفة، فهى عندهم لا تعدو هذين النوعين من الإدراك : الحسى والعقلى. والإدراك عنده هو (أخذ صورة الشئ المدرك بنحو من الأنحاء)
ومعنى أخذ صورة الشئ، هو أن تكون حقيقة الشئ المدرَك متمثلة عند المدرِك بحيث يشاهدها مشاهدة تامة، سواء اكانت مشاهدة حسية أم مشاهدة عقلية، ومن ثم تكون الإحساسات خزينة المعانى الجزئية التى ترد إليها عن طريق الحواس والعقل هو محل إدراك المعانى السكلية، ويلاحظ أنه عند تمثل صور المحسوسات لابد من عملية التجريد، أى اطراح الملابسات المادية للشئ المدرك. وهذه تقال فى مقابلة منهج أفلاطون فى المعرفة إذ يقرر أنها لاتعدو أن تكون تذكرا لما سبق أن عرفته النفس وهى فى عالم مفارق (عالم المثل) قبل تلبسها بالبدن.
ويحسن بنا أن نقف بعض الوقت مع ابن سينا حتى نرسم صورة مبسطة لطريقة المعرفة عنده بعد أن ألمحنا إليها بشئ من الإيجاز.
يقسم ابن سينا الإدراك قسمين: حسى وعقلى، والإدراك الحسى عنده قسمان ظاهرة وباطن.
فالإدراك الحسى الظاهر هو: أن تنتقل إلينا حقائق الأشياء الخارجة عنا، ومنافذ هذا الانتقال هى الحواس الظاهرة، وقد رتبها من الأبسط إلى المركب، مبتدئا بحاسة اللمس ومنتهيا بحاسة البصر وبينهما حواس الذوق والشم والسمع، وتدرك هذه الحواس محسوساتها بتشبهها بها، وهو يقول فى ذلك: (إن الحواس فى قوته أن يصير مثل المحيسوس بالفعل، إذا كان الإحساس هو قبول صورة الشئ مجردة عن مادته، فيتنوربها الحاس .
وتشبه الحاسة المحسوس عند الإدراك كما يشبه الشمع الخاتم الذى ينطبع عليه، وهى نفس الفكرة التى قال بها أرسطو فى عملية الإدراك الحسى، ولايرى ابن سينا هنا أن تجريد الحاسة لمادة الأشياء المحسوسة يعنى تجريدها عن لواحق المادة من وضع وكيف ومقدار، وانما يعنى أن هذه اللواحق تظل عند الإدارك، ولكن بوضع وكيفية ومقدار مختلف، ويمكن أن نضرت لذلك مثلا برجلين كل منهما ينظر للآخر فلودقق ثالث فى عين كل منهما للاحظ أن صورة كل منهما ترى فى عين الآخر، ومعنى ذلك أن الذى انطبع فى العين هو الصورة لا المادة ولكن لواحق الإنسان من طول وعرض وعمق تكون موجودة ولكن يقدر وهنا يقول ابن سينا: ( ولكن تجريد الصورة هذه فى الحواس لا يكون تجريدا عن لواحق المادة، من كم وكيف ووضع وأين، وأنما تكون الصورة المحسوسة موجودة فى الحس على تقدير ما وتكييف ماووضع ما .
ويشير ابن سينا هنا إلى مسألة من أدق العمليات النفسية، وهى أن الإحساس إنما يكون انفعالا أو مقاونا لانفعال، لأنه قبول من الحواس لصورة المحسوس، وانفعال عضو الحس بالمحسوس لا يكون إلا عندما يخالفه فى الكيفية، فحاسة اللمس مثلا لاتحس بالملموس إلا إذا كان بينهما فرق من حيث الحرارة.
وأما الإدراك الحسى الباطن فيعنى به ابن سينا تلك القوى الداخلية للنفس والتى تبدأ من الحس المشترك، وتنتهى قبل الإدراك العقلى، وبعد الحس المشترك توجد القوة المصورة أو الخيال، ومهمة الأول جمع المحسوسات وتمييزها ومقاونتها، وهو قابل لصور المحسوسات لاحافظ لها، ومهمة الثانى قبول صور المحسوسات التى محدث انفعالا للقوى الباطنة، وهنا يتبين لنا أن موضوع الحس الظاهر هو المحسوسات يكون بعد تجريدها من العلائق المادية تماما، (بحيث لاتحتاج فى وجودها إلى وجود مادتها، لأن المادة وإن غابت عن الحس أو بطلت، فان الصورة تكون ثابتة الوجود فى الخيال فيكون أخذه إياها قاصما للعلاقة بينها وبين المادة قصما تاما .
وكذلك يقسم ابن سينا المعرفة إلى نوعين: الأول فطرى وهو معرفة المبادىء الأولى مثل الكل أعظم من الجزاء، والواحد نصف الاثنين ، وإذا ساوى ثالث أحد الاثنين المتعادلين، وتجب أن يساوى الثانى . والنوع الثانى مكتسب وهو إدراك المجردات المعقدة والكليات العامة، ويحتاج إلى مجهود القسم الأول، ويجب أن تبدأ عملية التفكير فيه بالشعور الوثيق بوجوب انفصال الصور التجردية عن عالم المحسات انفصالا تاما، فلا يربطها بها زمان ولا مكان ولا شرط ولا كمية حتى بصير عامة صالحة لتأليف الكلية منها ومن مثيلاتها.
وكيفية ذلك أن يتصور الشخص أن ما فى عقله ليس هو الحجر ولا الحيوان وإنما هو صورتاهما المجردتان عن كل اعتبار، فإذا تعقل ذلك ، بدأ فى ربط الصور الجزئية بعضها ببعض حسبما بينها من صفات مشتركة ، وبهذا تتكون الكليات.
والأدة المدركة لهذين النوعين تدعى بالأداة الطبيعية، وهى قسمان: فطرى واكتسابية. فأما الفطرية فهى مشتملة على قوة خاصة مستعدة لإدراك المبادئ الأولى دون تعلم ولا اكتساب وهى عامة لدى بنى الإنسان جميعا ولها مرتبتان: الأولى مرتبة العقل بالقوة والثانية مرتبة العقل بالفعل.وأما الاكتسابية فهى ملكة تتكون من التثقف والمران وتقدر على إدراك الكليات العامة ولا يصل إليها إلا الخاصة، وتصمى مرتبة العقل المستفاد.
وكيفية وصول المعرفة إلى نفوس الخاصة هى أن تقع الحواس على المحسات فتنزع صورها ، فإذا حصلت هذه الصور اجتمعت فى الحس المشترك ثم تعاقبت عليها بعد ذلك قوى النفس المختلفة كالمخيلة والواهمة والناطقة لتقوم بتجريدها واحدة بعد الأخرى، كل منها حسب طبيعته التى هى أدنى من طبيعة مَايَلِيْهِ. فالمخيلة تجرد الصور عن المادة، لا عن علاقتها، والواهمة ترتقى فى هذا التجريد أكثر قليلا من المخيلة. الناطقة تمحو جميع العلائق المادية وتنقل الصور إلى مرتبة التجرد النقى الذى يستحيل عليها بعده أن تقبل الانقسام ولو اعتبارا أو فرضا لشبهها بالقوة الناطقة التى جردتها ليصير حلولها بها ممكنا لأن المنقسم لا يمكن أن يحل بالذى لا ينقسم. كما أن الذى لا يقبل لانقسام لا يمكن أن يكون موضوعا لما يقبله. ويصور ابن سينا هذا فيقول:
فإذا كان ليس يمكن أن تنقسم الصورة المعقولة ، ولا أن تحل طرفا غير منقسم ولا بد لها من قابل فينا، فبين أن محل المعقولات جوهر ليس بجسم ولا أيضا قوة فى جسم فيلحقه ما يلحق الجسم من الانقسام ثم يتبعه سائر المحالات ونجعل ذلك الأستاذ بوير فيقول:
"العقل هو أعلى قوى النفس النظرية. وفى الإنسان عقل عملى، وفعله يظهر التعدد فى الطبية الإنسانية ظهورا اعتباريا، غير أن وحدة العقل تتجلى مباشرة فى شعورنا بأنفسنا أو إدراكا خالصا، والعقل لا يدرك قوى النفس الدنيا فى مكانها، بل هو يرتقى بها وذلك بتجريد الإحساس من العوارض الشخصة وبانتزاع صورة كلية من الصور المتخيلة. والعقل يكون فى أول الأمر عقلا بالقوة ، ثم يصير عقلا بالفعل، وذلك بما يصل إليه من إحساسات تؤديها إليه الحواس الظاهرة والباطنة. فالعقل يخرج بالاستعمال من القوة إلى الفعل، وهذا يحدث بوساطة الإدراك، ولكن بهد وإنارة من فوق ، أى من واهب الصور وهو العقل الفعال لاذى يفيض الصور على العقل الإنسانى.غير أن نفس الإنسان ليس فيها حافظة تحفظ المعانى العقلية المجردة ، لأن الذاكرة لا بد ترتكز أبدا على موضوع محسوس. وإذا أدركت النفوس الناطقة لا تتمايز بموضوع معرفتها ولا بمقدار ما حصلته من معارف، وإنما يكون تمايزها بمقدار استعدادها للاتصال بالعقل الفعال الذى تتلقى عند المعرفة.
ثم إن النفس الناطقة التى هى أرقى مما تحتها، والتى تعرف ما فوقها بشروق نور العقل الكلى، هى الإنسان على الحقيقة، وهى تبرز إلى حيز الوجود جوهرا بسيطا لا يطرأ عليها فساد ولا يعرض لها فناء. وفى هذه النفطر وضوح يمتاز به مذهب ابن سينا عن مذهب الفارابى
ث‌. مراتب القوة العقلية
وعندما ننتهى إلى القوة الناطقة نجدها ذات شعبتين أساسيتين الأولى عملية والثانية نظرية. فالشعبة العملية هى مصدر الحركة والفعل فى الأعمال التى تتم بروية، وهى ذات صلة بالقوة النزوعية والقوة المتخيلة-والوهيمة وبذاتها. فهى فى الحالتين لاأوليين تعمل بالاشتراك مع تلك القوى فى مباشر العمل ولأسراع به، أو توجيهه وتنسيقه، كما فى الفنون والصناعات الإنسانية وهى فى الحالة الثالثة تبعث بمشاركة العقل النظرى القواعد الأخلاقية العامة، وتفرض على القوى الجسدية الاعتدال، بحيث تؤمن انسجامها مع متطلبات الفضيلة.
1. العقل بالقوة والعقل الفعال
أما موضوع القوة النظرية فهو الصور الكلية. وهذه أما أن تكون موجودة بالفعل فى حالة مفارقة، وأما أن تجرد من عوارضها المادية بقوة العقل ذاته. وفى الحالة الأولى تكون معقولة بالفعل، بينما فى الحالة الثانية تكون معقولة بالقوة لا غير.وعلى هذا النحو فإن القوة النظرية قد تكون قابلة لإدراك هذه الصور إما بالفعل وإما بالقوة.
2. العقل بالملكة بين القوة والفعل
وأما العقل بالملكة، فيجوز اعتباره، من ناحية، عقلا بالفعل، ومن ناحية اخرى ، عقلا بالقوة. فهو عقل بالفعل بالنسبة إلى مراتب العقل العليا التى يبلغها عندما يدرك المعانى الكلية، ويدرك كذلك أنه يدركها، وعندها يسمى العقل بالفعل. أو هو عقل بالقوة بالنسبة إلى مرتبة الفعل المطلق، عندما يصبح إدراكه للكليات مستقلا عن السياق الطبيعى، وناحية عن عامل ما ورائ أو مفارق هو الذى يدبر شؤون عالم الكون والفساد بما فى ذلك سبيل المعرفة فى هذا العالم ، أى العقل الفعال، فيسمى عند هذه المرتبة العقل المستفاد.
3. العقل المسبفاد، والعقل القدسى
وبلوغ مرتبة العقل المستفاد يمكن القول أن لاإنسان قد بلغ الكمال لاذى هو غايته القصوى، ويقترب بذلك من الكائنات العليا فى ما وراء عالم الطبيعة . وهذا "الاتصال " بالعقل الفعال، فى اعتقاد ابن سينا، ليس هو سر مصير الإنسان فحسب، بل هو كذلك سر عملية المعرفة ككل.إذ لما كان العقل الفعال هو مستودع جميع المعقولات أو الكليات، فهو يمنح العقل الإنسانى، عندما يبلغ درجة الاستعداد للتلقى التى نسميها عقلا مستفادا، الصور المكتسبة التى تؤلف مجموع معارفه. على أن هذا "الاكتساب" ليس على وتيرة واحدة عند جميع الناس ، ذلك لأن قابلية الإدراك عند بعضهم قد تعظم إلى حد لا يحتاجون عنده إلى تعلم ، بل يصبحون قادرين على إدراك الكليات مباشرة، بفضل قوة فطرية فيهم يدعوها المؤلف العقل القدسى.
إن يتميز به النفس هو الإدراك العقلى، وهذا الإدراك لا يستخدم آلة جسمية ما على الإدراك الحسى الذى يعتمد على أعضاء معينة كالعين، والأذن وغيرهما . وبالإدراك العقلى تدرك النفس ذاتها، وتدرك أنها تدرك. وهذا الشيء لا يستطيعه أى عضو جسمى من الأعضاء التى تحس، فهذا دليل إذن على أنها لا يحتاج فى قوامها إلى الجسم وإلا لوقف هذا الجسم حائلا دون إدراكها لذاتها.
وقد أسلفنا أن النفس البشرية عند ابن سينا تدرك أول ما تدرك ذاتها قبل أن تدرك البدن الذى هى فيه، أو أى عضو من أعضائه كما أوضح الرئيس ذلك فى بديهية الذات المعلقة التى تعرف أنيتها حتى لو غاب عن معرفتها كل ما عدا هذه الأنية التى جزم "ديكارت" فيما بعد بأنه يدركها ويدلل على وجودها وعلى إدراكه إباها قبل أن يدرك جسمه بمراحل، بل هو لا يعود إلى لاتدايل على وجود هذا الجسم إلا بعد أن ينتهى من براهين العالم الأعلى، وهويجمل هذا بقوله "أنا أفكر وأنا موجود" والتى صورها فيلوسوفنا بقوله: "فهذا دليل إذن على أنها لا تحتاج فى قوامها إلى الجسم، وإلا لوقف هذا الجسم حائلا دون إدراكها لذاتها.

الاتجاحات
‌أ. أن ابن سينا هنا يعتمد إلى قوى النفس(العقل والحواس)، مضافا إليه أثر كل قوة من قواها فى العملية المعرفية.
‌ب. فلذلك يعبر ابن سينا بصراحة عن انجاه المشائين فى المعرفة، فهى عندهم لا تعدو هذين النوعين من الإدراك : الحسى والعقلى والإدراك عنده هو (أخذ صورة الشئ المدرك بنحو من الأنحاء)
‌ج. ويرى الباحث أن ابن سينا يجعل "العقل هو أعلى قوى النفس النظرية. وفى الإنسان عقل عملى، وفعله يظهر التعدد فى الطبية الإنسانية ظهورا اعتباريا، غير أن وحدة العقل تتجلى مباشرة فى شعورنا بأنفسنا أو إدراكا خالصا.
‌د. وصول المعرفة إلى نفوس الخاصة هى أن تقع الحواس على المحسات فتنزع صورها ، فإذا حصلت هذه الصور اجتمعت فى الحس المشترك ثم تعاقبت عليها بعد ذلك قوى النفس المختلفة.
‌ه. النفس هو الإدراك العقلى، وهذا الإدراك لا يستخدم آلة جسمية ما على الإدراك الحسى الذى يعتمد على أعضاء معينة كالعين، والأذن وغيرهما . وبالإدراك العقلى تدرك النفس ذاتها
الدراسة النقدية
يرى الباحث أن ابن سينا يجعل قوى النفس (العقل والحس ) طريقا إلى المعرفة ولم يقف الباحث فى انتقاد ما قد رأى هذا الفيلوسوف،
و لم يقف رأى الباحث برأي ابن سينا الذى قد جعل العقل والحس آلة لمعرفة الله لأن العقل والحواس محدودان بكل أعضائهما ومزيتهما. ولم يصل أحد إلى معرفة حقائق الله إذا ما استعمل القلب آلة لمعرفة الله لأنها ألطف وسيلة من الوسيلات الموجودة للإنسان. وكما عمل المتصوفون لرؤية الله .
و الغزالي يتميز عمن سبقه من الصوفية، بأنه قد جعل التصوف طريقا إلى المعرفة بالله. ومهما كان غيره قد جعل التصوف طريقا إلى المعرفة بالله، لكن مما يرى الغزالي لهذا الأمر تكون نظرياته متكاملة إذا قورنت بما خلفه السابقون.
و الغزالي كذلك لا يرفض الحواس، بل أنه قد التجأ بالعقل والحواس قبل التجائه إلى حصن التصوف، وهذا بيان عن يأس الغزالي من قدرة العقل والحواس على كشف كل الحقائق.وفي الأخير التجأ هو إلى التصوف وجعل بعد ذلك التصوف طريقا إلى المعرفة بالله.

This entry was posted on Saturday, May 16, 2009 at 10:34 AM . You can follow any responses to this entry through the comments feed .

1 comments

Bagus...sayang font arab yg dipakai kaku banget. Coba pakai font arab sakkal majalla agar lbh mudah dibaca.

April 19, 2010 at 5:03 PM

Post a Comment